نود أن نتحدث في هذا المقال عن خطورة حرب الذات روحيًا. مما يشمل محبة الذات، والشعور بالذات، ومحاولة تمجيد الذات، وجعلها فوق الكل، وما ينتج عن كل ذلك من خطايا.
من أولى الخطايا التي تلدها (الأنا) الكبرياء.
فالمهتم (بالأنا) يريد باستمرار أن يكبرّ ذاته. فتكون ذاته كبيرة في عينيه، وأيضًا كبيرة في أعين الآخرين. ويكون في ذلك معجبًا بذاته. وقد يقع في ما يسمونه (عشق الذات) فنفسه جميلة جدًا في عينيه، كمن يحب باستمرار أن ينظر في مرآة، ويتأمل محاسنه..!
ومن هنا، فالذي يقع في محبة الذات، قد يقع أيضًا في الغرور.
ويظن في ذاته أكثر من حقيقة نفسه. أنه يحسّب أنه شيء، وأن له أهمية خاصة، أو له مواهب خاصة، أو أنه يمتاز على غيره: يفهم أكثر، أو له مركز أكبر. وهذا الشعور يعطيه ثقة زائدة بالنفس يريد أن يفرضها على الآخرين، وبهذا الشعور ينقاد إلى العظمة والى محبة المتكآت الأولى.
ربما هذا الشعور بالذات يأتي إلى الإنسان في سن المراهقة،عندما يشعر بانتقاله إلى مرحلة أعلى تمنحه أهمية معينة.
وما أكثر ما يستمر معه هذا الشعور المراهق، كلما طال به العمر. ولكنه يأخذ مظاهر أخرى غير مظاهر سن المراهقة.
وقد يحدث هذا الشعور للطفل من كثرة المديح أو التشجيع، أو بسبب التفوق، أو بسبب ملكات خاصة. غير أن هذا الشعور قد لا يكون له خطورة عند الطفل. ولكنه غالبًا ما ينحرف عند الكبار.
ومن هنا فإن محبة الذات قد تقود إلى الغيرة والحسد:
وفى هذه الغيرة يريد أن كل شيء يصل إليه هو. فيصل إليه كل المديح والمال، وكل الإعجاب بالنجاح والتفوق، وكل الاهتمام.
إنه ليس فقط يحب لذاته أن تُمدح، بل أن يكون المديح كله له وحده! وإن مدحوا غيره، تتعب نفسه ويتضايق، كما لو كان ذلك الغير الذي مدحوه قد اغتصب منه حقًا موقوفًا عليه..!
ونلاحظ أن المهتم بذاته يركز على تحقيق ذاته:
إنه لا يفكر في ملكوت الله، إنما في ملكوته هو! فملكوت الله لا يشغله، إنما تشغله ذاته وكيف يحقق لها وجودها وطموحها! حتى في صلاته يرى أن عمل الله له، هو أن يبنى له ذاته، ويكبّر له ذاته على الأرض وفي السماء. وهكذا لا تشمل صلواته سوى عبارات أريد.. وأريد…
والذي يركز على ذاته يريد أن الكل يعملون على تحقيق ذاته:
فالمجتمع الذي يحيط به، عليه أن يحقق له ذاته. وحتى الكنيسة مثلًا واجبها أن تحقق له ذاته. وإذا لم يحدث هذا يثور على الكل! وربما يبتعد عن الوسط الديني كله، لأنه لم يجد ذاته فيه!!
بل أن كل شخص لا يحقق له ذاته، يبتعد عنه، حتى الله نفسه! وهذا يذكرنا بالوجوديين الذين كل واحد منهم يبحث عن وجوده هو، وكيف يتمتع بهذا الوجود. ولسان حاله يقول: من الخير أن الله لا يوُجد، لكن أوجد أنا..!
ومعنى الوجود عنده هو التمتع باللذة. فإن كانت وصايا الله تقف ضد متعته الجسدية والمادية، فلا كان الله ولا كانت وصاياه!.. إلى هذا الحد تقود الأنا والذات.
وفى كل هذا، يكون المهتم بذاته وحدها، بعيدًا كل البعد عن التواضع!
ذلك لأن محبته للكرامة قد تقف حائلًا أمامه في الوصول إلى حياة الاتضاع. فهو يرى في التواضع إقلالًا من شأنه، وإبعادًا له عن العظمة التي يريدها لنفسه! إنه يحب لذاته أن تُحترم من الجميع. بل يلذ له أن يكون المحترم الوحيد! وأن يكون هو الوحيد الذي هو موضع اهتمام الناس وتقديرهم.
ومحبو الذات: كل فرحهم في الأخذ لا في العطاء:
يظنون أنهم بالأخذ يبنون الذات ويكبرونها ويضيفون إليها جديدًا…! أما العطاء فيقوم به الإنسان الذي يخرج من الاهتمام بذاته إلى الاهتمام بغيره، ويؤمن بقول السيد المسيح مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ.
وبهذا ممكن أن الإنسان المهتم بالأخذ، يقع بالتالي في البخل:
فهو يريد أن تزيد أمواله لكي تتمتع بها الذات، فيصعب عليه أن يعطى. ويرى أن العطاء يُنقص المال الذي تعب هو في جمعه.
ولهذا فإن كثيرًا من الأغنياء يريدون باستمرار أن تكثر أرصدتهم في البنوك، ويفتخرون بذلك. ولهذا يرى من الصعب عليه أن يدفع حتى العشور أو الزكاة أو حق الله عليه في أمواله. ونرى أن غالبية التبرعات يدفعها الفقراء ومتوسطو الحال، إلا ما ندر.
والذي يثق بذاته أكثر مما يجب، قد يقع في الاعتداد بالنفس. وفي ذلك يبعد عن الطاعة والمشورة، لأنه لا يطع إلا فكره، ولا يثق إلا برأيه…
وهو في كل ذلك لا يعتمد إلا على نفسه. فهو حكيم في عيني ذاته: يعرف كل شيء، فلماذا يلجأ إلى المرشدين؟! ولماذا يستشير؟! أي شيء جديد سوف يأخذه من الاستشارة؟!.. ولهذا إن أشار عليه أحد الكبار بشيء، لا يقبل ذلك بسهولة بل يجادل كثيرًا ويحاور. . وهكذا أيضًا مع أبيه بالجسد…
لهذا فالإنسان المعتد بذاته، يكون صلب الرأي عنيدًا…
وما أسهل ما يختلف مع الآخرين. ويعتبر أن كل من يخالفه في الرأي، هو بالضرورة على خطأ. وهو أن دخل مع أحد في نقاش، فليس من السهل عليه أن يقتنع، لأن الذات عنده لا يمكنها أن تتراجع!
* بل المعتد بذاته يكون عنيدًا حتى في علاقته مع الله نفسه!
وبهذا لا يستطيع أن يحيا حياة التسليم، ومن الصعب أن يقول للرب “لتكن مشيئتك” بل مشيئتي يا رب اطلب منك أن تنفذها…
ولأنه بار في عيني نفسه، لذلك لا يعترف إطلاقًا بخطأ وقع فيه:
وإن كان خطؤه واضحًا، فإنه يحول المسئولية في ذلك إلى غيره! فإن رسب في امتحان، يعلل ذلك بصعوبة الأسئلة، أو بشدة المصححين. أو أنه يلوم الله الذي لم يساعده بل قد تخلى عنه، فرسب…
أما إن نجح في الامتحان، فإنه ينسب ذلك إلى ذاته وإلى مجهوده وذكائه، وفى ذلك لا يشير مطلقا إلى معونة الله له، ولا يشكر… وإن سألته في هذا، يقول لك: أشكر من؟ وعلى أي شيء ؟! لقد فعلت كل شيء بنفسي ونجحت بمجهودي الخاص بدون أية معونة من أحد!! فلا داعي أذن لعبارة الشكر هذه…
وبعد، إن هناك الكثير مما نقوله عن الذات، فإلى اللقاء في عدد مقبل إن شاء الرب وعشنا.