مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام – مقال يوم الأحد 25-2-2007
الذكاء.. عناصره – أنواعه – موانعه
الذكاء هو تجلى العقل والفكر. وهو الوسام الذي يتزين به العاقلون. كما أنه الطريق إلى السمو إن أستخدم في الخير.
والذكاء يتميز بصفات معينة وعناصر يعمل من خلالها, منها: الفهم, والاستنتاج, والذاكرة, والتفكير, ودقة الملاحظة, وسرعة البديهة… وله علاقة بالحكمة والشفافية… وسنحاول أن نتكلم بشيء من التفاصيل عن كلٍ من هذه العناصر وفروعها:
* الفهم:
الفهم عند الناس على مستويات. والشخص الذكي يتميز بقدرته على سلامة الفهم, ودقة الفهم,. فهو لا يخطئ في فهم الأمور, ولا فهم الشخصيات وطبيعة الناس ومقاصدهم. لا يستطيع أحد أن يخدعه, فهو يكشف الخداع مهما كان مستورًا أو ملتويًا
وفى سرعة فهمه لا يحتاج إلى شرح كثير أو إلى توضيح, ولا يحتاج إلى وقت لكي يفهم. بل كما يقول المثل العامي “يفهمها وهىّ طايرة” بل على الأكثر يفهمها قبل أن تطير… وهو لا يفهم فقط ما يفعله غيره من نحوه, وإنما أيضًا ما ينوى ذلك الغير أن يفعله…
والأمور التي تبدو معقدة أمام الكثيرين, لا تكون كذلك بالنسبة إليه لأنه بذكائه يحلّ تلك العقد..
ويقال عن فهم مثل هذا الذكيّ إنه لماّح:
ذلك لأنه يلمح المقاصد والأغراض قبل أن تنفذ, ويلمح المشاعر دون أن يُفصح عنها. يدرك نفسيه غيره وما يريده, من مجرد ما توحي به ملامحه, وما تريد أن تنطق به عيناه, وكذلك من لهجة صوته, ومن نوعية ألفاظه…
وهذا الذكي الفهيم اللماح -إن قرأ شيئًا- لا يقتصر فقط على قراءة السطور, بل يقرأ أيضًا ما وراء السطور, وما هدف الكاتب وإن لم يكتبه…
لذلك فهو يتعامل مع الناس, وهو يفهمهم, كما يفهم مفاتيح شخصياتهم.
* الاستنتاج
الإنسان الذكي له قدرة على الاستنتاج, وهو يخرج من ذلك بنتائج سليمة. كل خطوة يستطيع أن يستنتج ما بعده. ومقدمات أي أمر تقوده إلى نتائجه. وهو لا يقتصر على معرفة الجزيئات, إنما بسهولة يستخرج منها الكليات. فتفاصيل الأحداث مثلًا, يجمعها ويرتبها ويخرج منها بنتائج معينة, وتكون سليمة…
وقد يسمى البعض هذا, لونًا من الفراسة, أو من التنبؤ, ويرون أن الدبلوماسيين يتصفون غالبًا بهذه الصفة
والقدرة على الاستنتاج يلزمها أيضًا دقة الملاحظة:
فالإنسان الذكي لا تفوته ملاحظة شيء. ودقة ملاحظته كما تشمل الأشياء, تشمل المواقف, والأساليب, والسياسات, والأهداف, ونوعية الألفاظ التي تُستخدم. كما تلاحظ أيضًا تطورات الأمور, واتجاهات الرياح التي تهب: ومن أين؟ وإلى أين؟
لذلك فالشخص الذكي إنسان مفتوح العينين, متوقد الذهن.
* الذاكرة
الذاكرة لازمة جدًا للإنسان الذكي. لأن ضعف الذاكرة يقف عائقًا أمام الفهم السليم وأمام الاستنتاج وما يلزمه من تجميع المعلومات ومقارنتها ومعرفة مدلولاتها…
والذاكرة على أنواع وصفات. ولعل في مقدمتها: الذاكرة الحافظة, أي التي تحفظ المعلومات داخل العقل ولا تنساها. غير أن الله سمح بالنسيان لكي ينسى العقل المعلومات التافهة ويفسح المجال للأمور الهامة والأساسية. والناس يختلفون في مدى ما تحفظه ذاكرة كل منهم. وهناك من تحتفظ ذاكرته بأمور قديمة العهد, وبتفاصيل دقيقة. وهناك من تقوى ذاكرته في حفظ الأرقام, أو في حفظ الأسماء. أو في حفظ نصوص معينة…
والذاكرة الحافظة هي في نفس الوقت ذاكرة خازنة أي تخزن المعلومات في العقل الواعي أو في العقل الباطن.
وهناك ذاكرة مرتبة: لا تكتفي بخزن المعلومات, إنما ترتبها أيضًا. بحيث أن أراد الشخص أن يتحدث في موضوع معين, يجد المعلومات قد وصلت إليه من ذاكره مرتبة تتعلق بكل ما يخص هذا الموضوع من معارف مختزنة من قبل.
وهناك ذاكرة فوتوغرافية: بحيث إذا تذكّر شخص موضوعًا معينًا قد قرأه, يجد الصورة واضحة أمامه, نفس الصفحة من فوق أو من تحت أو في الوسط, وكأنه يعود إلى قراءتها…
وكلما ازدادت قوة الذكاء, جمع العقل كل هذه الأنواع من الذاكرة..
* سعة العقل
حيث يوصف الذكي بأنه Broad-Minded أي واسع أو شامل في تفكيره. ينظر إلى كل أمر من زواياه المتعددة. ولا ينحصر مطلقًا في زاوية واحدة لا يتعداها..! وهذا ما يتعب الإنسان الضيق في فكره..
فالإنسان الواسع العقل يكون ذكيًا في حساباته, يعمل حسابًا لكل صغيرة وكبيرة, وينظر إلى النتائج المحتملة إيجابًا أو سلبًا.
وهكذا فالإنسان الذكي يعمل حساب ردود الفعل لكل تصرفاته.
فلا يكفى مثلًا أن يقول كلمة يرى أنها حق وصدق, إنما يتأكد من ردود فعلها وكيف يفهمها غيره, وماذا تكون النتيجة. وهكذا حينما يصارح أو يعاتب…
* أنواع ودرجات الذكاء
هناك ذكاء بالفطرة, بالموهبة أو بالوراثة. وُلد فيه الإنسان هكذا ولا فضل له فيه. وقد تكون كل أسرته بهذا الذكاء أيضًا.
وهناك ذكاء يسمونه بالحاسة السادسة. وهو يحتاج إلى تفاصيل وشرح.
على أنه هناك ذكاء مكتسب. أو نقول بدقة أكثر “تنمية الذكاء”. ويكون ذلك بتداريب كثيرة على ذلك, مثل المتدرب على حل الألغاز أو حل المشكلات, والتمرينات التي يتدرب عليها الطلبة في علمي الهندسة والجبر. وقد يأتي ذلك أيضًا بقراءة قصص الأذكياء, وبمعاشرة الأذكياء والحكماء وكبار السن وذوى الخبرة.
وفى درجات الذكاء يمكن أن نذكر الذكي intelligent واللامع الذكاء Brilliant .والعبقري أو النابغة Genius. وكل من هؤلاء له أوصاف ودرجته وقدراته.
بقى أن أتحدث عن عناصر أخرى في موضوعنا هي:
1- علاقة الذكاء بالحكمة وبالمعرفة والمؤثرات الخارجية.
2- الاستخدام الجيد للذكاء والاستخدام الرديء.
3- العوائق التي تقف أمام الذكاء فتمنع استخدامه.
فإلى اللقاء في العدد المقبل إن أحيتني نعمة الرب وعشنا.