مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام – مقال يوم الأحد 20-5-2007
الضعف.. أنواعه ومعالجته
تكلمنا في المقال السابق عن القوة وعناصرها ومصادرها. ولكن لا ننكر أنه توجد بين كثير من الناس ضعفات. فم هي أنواع الضعف؟ وما الموقف منها؟ وما العلاج؟
قد يوجد إنسان ضعيف, ولا ذنب له في ذلك:
مثال ذلك: من وصل إليه الضعف عن طريق الوراثة. سواء كان الضعف في جسده أو في قواه العقلية… أو هو إنسان قد وُلد بصحة ضعيفة, أو في مستوى اجتماعي ضعيف, أو ما أشبه…
وضعف الجسد قد يقاسى منه الإنسان الروحي أيضًا, إذ قد يقف عائقًا أمام بعض الممارسات الروحية. فمثل هذا الضعف لا يجوز أن يتضايق الشخص منه, بل يعمل ما يستطيعه على قدر ما يحتمله جسده. إنما المهم أن يحتفظ بروحه قوية وصالحه, عارفًا تمامًا إن الله لا يطالب الإنسان بما يفوق طاقته…
وقد يوجد إنسان أعصابه ضعيفة:
وضعف الأعصاب إما أن يكون له سبب جسدي بيولوجي, وهذا يحتاج إلى علاج طبي. وإما أن يكون ضعف الأعصاب راجعًا إلى سبب نفسي أو روحي, كأن يكون الشخص سريع الغضب, سريع الانفعال. وبالتالي يكون ضعيف الاحتمال, ويحتاج إلى شخص يحتمله, ذلك لأن الإنسان القوى هو الذي يستطيع أن يحتمل الضعيف.
على أن الإنسان الغضوب الضعيف الاحتمال, عليه أن يعالج هذا الضعف الذي فيه. وذلك بأن يبعد بقدر إمكانه عن كل الأسباب التي تثيره, وعن المجالات التي توقعه في النرفزة, ويتجنب الاحتكاك بالأشخاص الذين لا يستريح إلى معاملاتهم نفسيًا. وفي نفس الوقت يمارس تداريب روحية في البعد عن الغضب, وأن يعمل على تقوية أعصابه من الناحية الجسدية. كما يلزمه أن يتأنى في تصرفاته وفى ثورته. ويضع أمامه النتائج السيئة للغضب, قبل أن يغضب… كما ينفعه كثيرًا أن يقرأ عن سير الودعاء والهادئين, ويحاول أن يحاكيهم في تصرفهم. ولا يترك نفسه إلى هذا الضعف. وليس مقبولًا منه أن يعتذر قائلًا: ماذا أفعل؟ فطبعي هكذا!! فالمفروض أنه ينتصر على طبعه ويغيرّه…
هناك نوع آخر من الناس ضعيف في إرادته:
ضعيف في تنفيذ ما يريده من الخير, أو ضعيف في مقاومة بعض الخطايا, أو أن من طبعه التردد. فإرادته لا تستطيع أن تقرر ما ينبغي عليه أن يفعله. وإن قرّر شيئًا, قد لا يقدر أن يثبت فيه, بل تراوده أفكار أخرى مختلفة…
على أن هناك تداريب عديدة لتقوية الإرادة يمكن أن يسلك فيها. كما يمكنه أن يستشير إنسانًا حكيمًا أو مرشدًا روحيًا موثوقًا به, وينفذ ما يقوله له ولا يبطئ. وقد يقوى إرادته عن طريق الصوم, وعن طريق التغصب, أي يغصب نفسه ولا يدللها ولا ينفذ لها كل ما تريده. كما يقوّى إرادته عن طريق الفهم وبالإقناع. وإن كان خاضعًا لعادة تسيطر عليه, يقاومها بكل شدة ولا يستسلم لها مطلقًا مهما كانت الدوافع, عالمًا أن الاستسلام للعادة يزيده ضعفًا على ضعف, ويزيد العادة تعمقًا ورسوخًا…
وقد يوجد شخص ضعيف أمام غيره:
أو أمام بعض الأشخاص بالذات. بحيث لا يقدر أن يعصى أو يقاوم فلانًا من الناس, أو يخجل منه ويقوده الخجل إلى الخطأ. أو هو ضعيف أمام طلبات زوجة, أو صديق, أو شخص أكبر منه سنًا أو مقامًا. أو هو ضعيف أمام رأى الجماعة التي تحيط به, وقد تكون جماعة مخطئة. أو هو ضعيف أمام ارتباطات قد ارتبط بها من قبل, أو تعهدات تعهد بها دون فحص دقيق ودون معرفة بكل نتائجها..
مثل هذا الشخص عليه أن يفضّل الحق على الشخص, ويطيع ضميره أكثر مما يطيع الظروف المحيطة. ويفيده أيضًا أن يخاف من النتائج السيئة التي يقوده إليها خجله وطاعته لغيره. أو يتحاشى لقاء الأشخاص الذين يضعف أمامهم, أو يواجههم ويشرح لهم بكل صراحة ما يتوقعه من نتائج سيئة لو نفذ لهم ما يريدون.
هناك نوع من الضعف هو ضعف النفسية:
فقد يوجد إنسان نفسيته ضعيفة, من نوع الناس الذين يسمّونهم “صغار النفوس”… هذا النوع يقلق بسرعة, ويضطرب وينهار ربما لأتفه الأسباب. وهو يشك في ذاته وفي قدراته وفي مواجهته للمواقف، ويخاف من النتائج التي تنتظره، ولا يستطيع أن يحتمل. ولا يقدر أن يثبتّ في موقف ويتحمل مسئوليته… ومثل هذا الشخص له نفسية طفل صغير، حتى إن كان كبيرًا في السن. وربما منذ طفولته، لم يعوّدوه الإقدام أو الاعتماد على النفس، أو أنه وقع في حياته تحت تخاويف كثيرة أو مرّ بتجارب مؤسفة وفاشلة أفقدته الثقة بنفسه، فوصل إلى حالته هذا فما موقفنا منه؟
ما أجمل عبارة “شجعوا صغار النفوس اسندوا الضعفاء تأنوا على الجميع”… لذلك علينا أن نفتح طاقة من الرجاء لتضئ على الجالسين في الظلمة خائفين ومضطربين… نحدثهم عن عمل الله وتدخله، ونقوّى عزيمتهم، ونسهّل لهم الطريق، ونزيل من أمامهم المخاوف ونثبتّهم… إن الله نفسه يسند الضعفاء الذين كالأطفال، ويرسل لهم معونة من عنده، ولا يحتقر ضعفهم، ويظل يدرّبهم حتى يصيروا أقوياء، أو تتحسن نفسيتهم شيئًا فشيئًا.
يوجد أحيانًا من هو ضعيف في الأسلوب أو في التفكير:
الإنسان الضعيف التفكير يمكن أن ينمى قدرته على عمق أكبر من التفكير بقدر ما تحتمل قدراته العقلية. ولعل ما درسناه في الرياضة ونحن صغار في تمارين الهندسة والجبر يحمل أمثلة من تدريب الفكر، وكذلك ما يسلك فيه البعض من جهة حلّ الألغاز، كل هذا وغيره ينمى الفكر. وإذا عجز البعض عن الحل، لا نعطى لهم كل الحل دفعة واحدة، وإنما نقودهم في خطوة وندفعهم إلى التفكير في غيرها وهكذا. ولكن لا ييأس من هو ضعيف في فكره، بل يتدرب. كذلك كثرة الإطلاع مفيدة، على شرط أن يقرأ الشخص ما ينميه فكريًا…
وقد يقوى الشخص على التفكير، ويكون ضعيفًا في التعبير، أي لا يستطيع أن يعبر بطريقة سليمة أو بأسلوب جيد عما يريد. هذا أيضًا يمكن علاجه بالتدريج وبالتدريب…
أخيرًا، هناك من هو ضعيف في إيمانه:
والإيمان على درجات في قوته. ولست أقصد مجرد الإيمان النظري بوجود الله، إنما بالأكثر الإيمان الذي يظهر عمليًا في حياة الإنسان اليومية. فقد يتعرض شخص لمشكلة، ويضعف إيمانه في إمكانية حلها أو في تدخل الله لإنقاذه منها. وقد يصلى ولكن يضعف إيمانه في استجابة الله لصلاته..! وعلى أية الحالات فإن الذي يخطئ وهو يعرف أن الله يرى كل شيء ويسمعه, ما مدى إيمان هذا الشخص برؤية الله له؟!
في كل ذلك على الإنسان أن يقوى إيمانه في ثقة كاملة بالله وعمله، ورؤيته وتدخله. وإن حاربه الضعف, يصلى ويقول: “أنني أؤمن يا رب. أعن ضعف إيماني”.