القيم والمبادئ.. بين مسميات ومفاهيم
6-8-2006
إن القيم التي يقتنع بها الإنسان ويمارسها في حياته، هي التي تحكم طباعه وسلوكه وتعامله مع الآخرين. وكلما كانت هذه القيم سليمة، يكون سلوكه سليمًا. فإن انحرفت القيم التي يؤمن بها، انحرفت حياته كلها. فم هي إذن مصادر هذه القيم في حياة الإنسان؟ أول مصدر للقيم هو الضمير. ثم يتلقاها الطفل في الأسرة، ليس فقط عن طريق التعليم، بل بالأكثر عن طريق القدوة الصالحة والتدريب العملي. وهنا نتذكر قول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوهُ بعد ذلك يأتي دور المدرسة. وحينما يخرج الطفل من بيته إلى المدرسة، يجد نفسه في مجتمع أوسع وفي حرية أكثر. والمدرسة ليست هي مجرد المناهج والمقررات، إنما تشمل أيضًا المدرسين وإرشاداتهم وكذلك الزملاء. ولكل هؤلاء وأولئك تأثيراتهم على قيم الطفل، الذي ينتقل بعد ذلك في مراحل التعليم إلى مجتمع أكثر اتساعًا تختلف فيه القيم، ولا شك سيكون له تأثيره عليه، وبخاصة القراءة ووسائل الإعلام. فهل ستبقى قيمه كم هي أم تتطور أم تتغير؟
فعلينا أذن أن نهتم بكل مصادر هذه القيم ووضعها تحت إشراف، لكي تكون أكثر نقاوة وأكثر ملائمة
ومن القيم الثابتة الساسية التي تلزم لكل إنسان: محبة الوطن والدفاع عنه، والتضحية من أجله بالدم، إذا احتاج الأمر. ومن القيم الثابتة أيضًا الصدق والأمانة والعفة، والحرص على نقاوة القلب، ومحبة العطاء والبذل. وإجمالًا محبة الخير ومحبة الغير، مع التطبيق العلمي السليم لكل هذا… وكلما نما الشخص في السن والمعرفة، يجد أن هذه المبادئ الأساسية لها تفرعات كثيرة. فالعفة مثلًا تشمل عفة الجسد، وعفة اليد، وعفة اللسان. والأمانة أيضًا لها تفرعات منها الأمانة في أداء الواجب، والأمانة في حفظ أسرار الناس، والحرص على حقوقهم، والأمانة في معناها الأصلي، بحيث لا يأخذ الشخص ما ليس من حقه، ولا يأخذ أزيد من حقه إلا إذا وُهب ذلك.
على أن هذه المبادئ والقيم قد تصادفها بعض المشاكل والعقبات، ينبغي للشخص أن ينتصر عليها: فمن جهة قول الصدق: ماذا يفعل إن كان قول الصدق يسبب له حرجًا، أو يوقع غيره في مسئولية؟ من الخير في هذه الحالة أن يمتنع عن الإجابة، ولا يقول ما هو غير الحق، أو يحاول أن يجد وسيلة سليمة للتخلص كذلك ماذا يفعل من جهة تأثير الوسَط عليه، ومحاولة شده إلى نطاق آخر بعيد عن القيم التي تعوّدها؟! هنا ينبغي عليه أن يقاوم، ويحتفظ بالقيم دون أن يكسرها، مجاهدًا في سبيل ذلك. وبقدر جهاده وثباته يكافئه الله، وتثبت شخصيته بدون انحراف
والقيم ليست مجرد مسميات، إنما لها مفهومها السليم لمن يترك الشكليات ويدخل إلى العمق… فلا ندرب إنسانًا على الحكمة، دون أن نشرح له م هي الحكمة؟ وكيف يسلك بها في شتى ظروف الحياة… كذلك لا ندربه على الشهامة، دون أن نشرح له محتواها ومجالات استخدامها، والبعد بها عن التطرف… أيضًا الحرية. فكل إنسان يحب الحرية من صغره وبخاصة في مرحلة الشباب، ولكن عليه أن يفهمها بمعناها السليم.
فليس معنى الحرية أن يسلك الشخص حسب هواه بدون ضوابط. فنحن نؤمن بالحرية المنضبطة، التي يكون فيها الشخص حرًا في سلوكه، بحيث لا يعتدي على حقوق وحريات الآخر، وبحيث لا يخرج عن نطاق النظام العام، ولا عن القانون، ولا عن وصايا الله. وهذه مجرد ضوابط للحرية وليست منعًا لها. مثال ذلك شاطئًا النهر. إنهما لا يمنعان مياهه من السير في مجراه، ولكنهما يضبطان هذه المسيرة بحيث لا تتدفق المياه من الجوانب وتتحول إلى مستنقعات!!
نلاحظ أن البعض قد يحاول التخلص من هذه المبادئ والقيم، في اتباع مبدأ آخر هو المتعة… أمثال هؤلاء يجعلون المتعة هدفهم، الذي يسعون إليه بكل جهدهم!! على أن الله -تبارك اسمه- لم يمنع عن الإنسان المتعة، ولكن في حدود العفة، وعدم السلوك بما لا يليق. كذلك لا يجوز أن يركز كل شخص على متعة الجسد والحواس، ويتجاهل الاهتمام بمتعة الروح. فالروح تجد متعتها في محبة الله وفي محبة الفضيلة، وفي التأمل والصلاة، والقراءة الروحية والتسبيح… فهل كل إنسان يهتم بهذا كله؟!
يبدو عند البعض عائقًا في تنفيذ ما تستلزمه المبادئ والقيم هو (الذات) الـ Ego وما تتطلبه هذه الذات في بنائها واستمرار تقدمها وعلوها على أن بناء الذات ليس خطيئة. إنما الخطيئة هي في الأساليب الخاطئة التي بها يبنى الإنسان ذاته. فالبعض قد يجعل ذاته هي الهدف، وفي سبيل بنائها لا مانع عنده من أن يخرج على بعض القيم إذا ظن أن ذلك يلزمه. وفى الحقيقة. أن اتباع المبادئ والقيم هو الطريق السليم لبناء الذات على أساس ثابت. لكن ذلك قد يحتاج إلى بعض الجهاد وإلى الصبر. أما الوسائل الأخرى فقد تبدو سهلة وتوصل إلى الغرض بسرعة!! ولكنه وصول زائف على غير أساس.
النقطة الأخيرة هي أن موضوع المبادئ أو القيم ينبغي أن ينال الاهتمام به من الصحف ووسائل الإعلام، ومن المناهج الدراسية، ومن نشاط مراكز الشباب أيضًا، فهذا واجب على الدولة تقوم به، لتبنى جيلًا سليم المبادئ.