مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام – مقال يوم الأحد 19-11-2006
عودة إلى القيم السليمة
تحدثنا في العدد الماضي عن القيم السليمة التي يلتزم بها كل إنسان، حتى وصلنا إلى الاهتمام بالحياة الأبدية.. واليوم نتابع حديثنا في موضوع القيم السليمة فنتكلم عن:
علاقتك بالغير
ما هي قيمة الإنسان في نظرك، أي إنسان؟ هل تنظر إليه باعتباره أخًا لك في البشرية؟ تحبه، ويهمك أمره. هل تهتم بكل أحد؟ آخذًا درسًا من الله الذي يهتم بالكل، طبعًا في حدود قدراتك… هل تحرص على مشاعر الناس، كل الناس؟ وهل تقدّر قيمة النفس، أي نفس؟
هل كل إنسان نفسه ثمينة عندك؟ وهل كل إنسان نفسه تمامًا كنفسك؟ تحب له ما تحبه لنفسك. وتحرص عليه وعلى مصالحه. كما تحرص على أعزّ أحبائك: ما يصيبه كأنه أصابك، وما يفرحه يفرحك. وما يسئ إليه كأنه أساء إليك؟
هذه هي إحدى القيم التي يحافظ عليها الإنسان الروحي، أعني تقديره لقيمة النفس البشرية، وحرصه الشديد في المحافظة على حقوق وعلى مشاعر كل أحد…
إنك يا أخي -إن ارتفعت قيمة الإنسان في نظرك- لوجدت نفسك بالضرورة تحترم كل إنسان، وتحب كل إنسان، ولا تجرؤ على أن تجرح شعور إنسان ما. ولا تجرؤ على أن تخطئ إلى أحد، ولا أن تخطئ مع أحد! بل تخاف أن يطالبك الله بدمه في اليوم الأخير..!
* أنا أعرف أنك تهتم بمشاعر الكبار. ولكنك قد تتجاهل الصغار وتنساهم! اعلم إذن أن الله تبارك اسمه يهتم بالكل: بالصغير وبالكبير، بالسيد وبالعبد، بالخادم وبالمخدوم.. يشرق بشمسه على الأبرار والأشرار، ويمطر على الصالحين والطالحين… ويشبع كل حي من رضاه… فلنتبع خطواته..
ليس أحد منسيًا عند الله. كل نفس عزيزة عنده، يرعاها بكل حب وإشفاق، كراع صالح يهتم بكل خرافه…
فكن أنت هكذا، لأن الله قد ترك لنا مثالًا نحتذيه…
لو صار للإنسان هذه القيمة في نظرك، ستحترم حرية الناس، وستحترم حقوقهم. فلا تغضب أحدًا، ولا تغضب أحدًا، ولا تظلم أحدًا، ولا تضر أحدًا، ولا تشهر بسمعة أحد، بل تشمل الكل بمحبتك..
وقيمة النفس البشرية، تدعوك إلى خدمة الناس، حينما يحتاجون إلى ذلك. بل -لو أدّى الأمر- بذل النفس من أجلهم… وأيضًا الاهتمام بالنفس الواحدة، فلا تضيع في زحمة الجماهير..! وهكذا نرى الإنسان الروحي يتعب لأجل غيره…
هنا ونعرض لإحدى القيم الأخرى وهى:
الراحة والتعب:
الإنسان العادي يهمه أن يستريح ولو تعب الناس. أما صاحب القيم فيجد راحته الحقيقية في أن يتعب هو لكي يستريح الناس الراحة عنده هي أن يريح غيره لا نفسه، بل أن نفسه تستريح في راحة غيره.
والراحة في مفهومه هي راحة ضميره وليس راحة جسده… ولا مانع عنده في أن يتعب جسده، إن كان بذلك يمكنه أن يريح غيره، وبذلك يرتاح ضميره…
وهو يدرك تمامًا أن الراحة الحقيقية هي الراحة في الأبدية فليتنا نتعب ههنا بقدر إمكاننا في عمل الخير، عارفين إن الإنسان في الأبدية سيأخذ أجرته بحسب تعبه على الأرض.
وكل الأبرار قد تعبوا في عمل البر، وفي نشر البر، وفي الجهاد المتواصل لأجل بناء ملكوت الله على الأرض.
لذلك فإن التعب من أجل الخير هو إحدى القيم التي يهتم بها الإنسان البار، وهو علامة من معالم الطريق الروحي..
ننتقل إلى نقطة أخرى في موضوع القيم، وهى:-
الروح والجسد:
غالبية الناس.. في تقييم احتياجاتهم- يعطون كل القيمة للجسد وليس للروح، ويظهر هذا في اهتماماتهم العملية: فهم يقدمون كل الاهتمام بأجسادهم وبأجساد أبنائهم وأقاربهم… وهكذا يهتمون بطعام الجسد، وبصحته، وقوته وجماله. ويعطون الجسد كل ما يحتاج من غذاء ومن دواء وعلاج، وما يحتاجه من راحة ونشاط واستجمام…
أما الروح قد تنال نفس الاهتمام. لأن تقييم احتياج الروح ليس واردًا على الذهن، وربما يكون مهملًا…!
لذلك تضعف أرواح الناس، إذ لا تجد غذاءها الروحي الكافي، ولا الاهتمام بكل ما تحتاج إليه من تقوية ومن رياضة روحية، ومن سائر المنشطات الروحية كالقراءة والتأمل والتراتيل والاجتماعات الروحية، والصلوات والألحان، والعظات، والتداريب الروحية…
حقًا إن التقييم الذي نعطيه للروح هو الذي يحدد مسلكنا في الحياة.. وهو الذي يجعلنا نهتم بالقيم الروحية، وبالوسائل الروحية التي تنمينا روحيًا، وتدفعنا إلى التقدم باستمرار في الطريق الروحي…
وسنضرب مثالًا في العمل الروحي وهو الصلاة:
ما هو تقييمك للصلاة؟
* هل هو مجرد معونة لك في وقت الضيق؟ تلجأ إليه (حينما تحتاج) إلى الله؟!
* أم هي فرض عليك؟ إذ لم تؤده تشعر بتأنيب ضمير، لمجرد التقصير!
* أم هي غذاء روحي لازم لك؟ إن لم تتناوله تفتر في حياتك الروحية!
* أم هي متعة تشعر بحلاوة مذاقها؟ فتنسى الدنيا وكل ما فيها، وتود لو طال بك الوقت في الحديث مع الله!.
حسب تقييمك للصلاة، تكون درجة روحانيتك فيها، وتكون أيضًا قدرتك على الاستمرار في عمل الصلاة…