القلب: أهميته و عمله -2
القلب والحياة مع الله:
تبدأ حياتك مع الله من قلبك: تبدأ بالإيمان، والإيمان من عمل القلب. وتكمل بعمل الفضيلة، والبعد عن الخطيئة. وكل ذلك من عمل القلب أيضًا. فالإنسان الذي يحب الفضيلة لا يخطئ. إن وصايا الله في قلبه وفي فكره لا يملك أن ينساها.
فإن قال البعض إن هناك وصايا قد تبدو صعبة في تنفيذها، مثل الاحتمال ومغفرة الإساءة. نقول إن وصية الله تبدو صعبة علينا، إن كانت خارج قلوبنا، لم نمتزجها بعواطفنا، ولم نشعر بأهميتها… ولذلك إن أخطأنا، يكون السبب راجعًا إلى القلب أولًا وأخيرًا..
* تقول: فلان قد أضاعني. أقول لك لم يضيعك سوى قلبك… لو كان قلبك قويًا غير قابل للضياع، ما استطاع أحد أن يضيعك. ثم أن عدوك هذا لا يستطيع أن يحاربك إلا من الخارج. فإن كان داخلك سليمًا، فلن يضرك في شيء… صدق ذلك الحكيم الذي قال:
“لا يستطيع أحد أن يؤذى إنسانًا، ما لم يؤذِ هذا الإنسان نفسه”..
* أتقول: هذا الكلام الذي سمعته غيرّ أفكاري وشككّني؟!
أقول لك إن قلبك هو السبب، لأنه قابل للتشكيك، ويسمح للفكر أن يتغير… لو كان قلبك ثابتًا وقويًا، ما كان الشك يدخل إليه، مهما سمعت من كلام…
* أتقول إن الضيقات قد زعزعتني..!
أقول لك: إنها ما كانت تزعزعك، لو كان قلبك صامدًا من النوع الذي لا يتزعزع… إن الضيقة تُسمى ضيقة، إن كان القلب يضيق بها. أما القلب الواسع فإنه لا يتضيّق من شيء… القلب الواسع يتناول المشكلة ويحللّها، ويحاول أن يبحث عن حلّ لها. فإن عجز عن ذلك يحيلها إلى الله حلاّل المشاكل كلها… ويستريح ولا يتزعزع، واثقًا بالإيمان انه لابد سيأتي الحل من عند الله
القلب وعمله الروحي
نتكلم هنا عن عمل القلب في التوبة، وعمله في الصلاة، وفي العبادة جملة، وصلة الإنسان بالله، تبارك اسمه:
فمن جهة التوبة:
التوبة الحقيقة هي رجوع القلب إلى الله. هي تغيير القلب من الداخل، أي تغيير شهوات الإنسان الداخلية. لأنه مادامت في القلب خطية محبوبة، لا يكون قد تاب توبة حقيقية، حتى لو كان لا يقترف هذه الخطية بالفعل!. فالله يريد أن يرجع الناس إليه بكل قلوبهم…
فخطية الجسد أو خطايا الحواس هي الثانية في الترتيب الزمني، أما الخطية في الترتيب فهي خطية القلب. فإن تنَقى القلب، تتنقى الحواس، ويكون الجسد طاهرًا. وإن انتصر الإنسان في الداخل على الخطايا التي تحاربه، فإنه بالتبعية ينتصر من الخارج أيضًا. وهكذا فإن التوبة التي من القلب، هي التوبة التي تتحكم في الحواس وفي كل المظاهر الخارجية…
أتقول فلان أغضبني ونرفزني؟! كلا، بل الأوْلى أن تقول إنه أظهر لي الخطأ الموجود في قلبي. لأنه لو كان قلبي قويًا، ما كنت أقع في النرفزة..! والانتصار على الخطايا بالضرورة يأتي من الداخل. وهذا ما يجب أن يركز عليه الوعاظ والمعلمون…
فتاة تقول لها: ملابسك، زينتك، شكلك، مكياجك. أو شاب تقول: شعرك الطويل، بنطلونك الجينز، منظرك!! وتحاول أن تضغط من الخارج، أو تؤنب وتوبخ… تاركًا القلب كما هو!!
اعرف تمامًا أن هذا الأسلوب لا يجدي. فالمهم هو القلب، وما مدى اقتناعه الداخلي واتجاهه الفكري…
إن التغيير الخارجي، لا يأتي إلا بالتجديد الداخلي، أي بذهن يفكر بطريقة جديدة ينفعل بها القلب ومشاعره. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومهمة الواعظ أن يتعامل مع قلوب الناس وأفكارهم، وليس مع آذانهم وحدها.. ولا يركز على المظاهر الخارجية وحسن السلوك من الخارج…
القلب والصلاة:
الصلاة المقبولة هي الصلاة التي من القلب، وليست هي مجرد كلمات نرددها أمام الله. إنما هي مشاعر قلب ينسكب أمام الله، حتى من غير كلام.. يقول داود النبي للرب في المزمور: “باسمك أرفع يديّ، فتشبع نفسي كأنها من شحم ودسم”.. مجرد رفع اليدين!
الصلاة هي بالحقيقة رفع القلب إلى الله. أما صلاة الشفتين فقط -من غير مشاعر القلب- فهي ليست صلاة مقبولة!
إن كلمة (صلاة) مأخوذة من الصلة، أي صلة القلب بالله – فإن لم توجد هذه الصلة، لا تعتبر صلاة!!
القلب وفضيلة العطاء:
العطاء الحقيقي هو أن تعطى من قلبك، فيما تعطى من جيبك! فقلبك أولًا يمتلئ بمحبة المحتاجين والإشفاق عليهم. وبهذه المشاعر تقدم لهم العطاء المادي، وأنت توقن تمامًا أن ما تعطيهم إياه هو حق من حقوقهم عليك. وأنه ليس من عندك، بل من عند الله الذي أعطاك ما تعطيه لهم… وهكذا تعطى بغير تعالٍ، وقلبك مملوء بالاتضاع، شاكر الله على عطائه لك ولهم…