مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام – مقال يوم الأحد 22-10-2006
الذات تلد جمهرة من الخطايا
1- لعل أول خطية للآن هي الأنانية:
وفيها الإنسان يتمركز حول ذاته، لا يفكر إلا فيها هي، وأن يكون لها كل ما تريد. وفي ذلك يفضلها على الكل. فإذا اصطدمت ذاته بمحبة إنسان، يفضّل ذاته على هذا الإنسان. وإن تعارضت رغبات ذاته مع بعض المبادئ أو القيم، فإنه يضحى بكل المبادئ والقيم لكي يحقق ما ترغبه ذاته. بل إن اصطدمت ذاته بمحبة الله أو بطاعة وصاياه، فإنه يفضلها على كل وصايا الله، ويكسر تلك الوصايا لأجلها.
وطبعًا لكل هذا نتائجه في حياته بصفة عامة…
2- أيضًا المحب لذاته قد يصبح لحوحًا يتعب غيره:
إنه يريد أن ينفذ فكره أو رغبته بكافة الطرق وبكل سرعة! لذلك يلجأ إلى الإلحاح الشديد الذي يتعب أعصاب غيره. وذلك بتكرار الطلب، والضغط على تنفيذه الآن، وكما هو، وبسرعة، مهما كانت هناك عوائق تمنع من ذلك، ومهما كان الوقت غير مناسب!! ولكن الأنا تريد، ولا يهمها إحراج من تطلب منه، أو إعاقته عن عمله.. وإذا اعتذر، لا يهمه عذره، وتعاود الإلحاح مرة أخرى، وتضغط…
3- والذات تقود كذلك إلى الرياء:
فالذي يحب ذاته، يريد أن الناس يرون هذه الذات في أجمل صورة، وأن يراه الناس على غير حقيقته، فيبدو أمامهم فاضلًا وبارًا، مهما كان في داخله عكس ذلك، ومهما كانت له خطايا مخفاة! وهكذا ينال منهم مديحًا لا يستحقه. وهو لا يهمه التقدير الحقيقي لذاته، إنما يكفيه المظهر الخارجي مهما كان خادعًا للناس. وكل هذا رياء. على أن الرياء لابد أن ينكشف ولو بعد حين. وكما قال الشاعر:
ثوب الرياء يشفّ عما تحته… فإذا التحفت به فإنك عارٍ
4- وفي سبيل محبة الذات يقع أيضًا في الكذب:
والمعروف أن الكذب هو غطاء للذات، تغطي به أخطاءها ونقائصها، حتى لا تنكشف أمام الآخرين. فتنكر ما فعلته من خطأ. وإن انكشف إنكارها، تخفيه بكذب آخر… وهكذا لكي تبدو ذاتها بلا عيب!
كذلك قد يكون الكذب أحيانًا هو وسيلة الذات التي توصلها إلى أغراضها. فتلتمس الحيل وتخترع الأسباب لكي تصل إلى ما تريد…
وسواء كان الكذب هو وسيلة للذات في أغراض آثمة تريدها، أو لإخفاء أمور آثمة لا تحب أن تنكشف.. فالذات هي الدافع في كليهما…
5- ومحبة الذات تكون بعيدة دائمًا عن العطاء والبذل وخدمة الآخرين:
فالذي يحب ذاته لا يريد أن يعطي، لأنه باستمرار يريد أن يأخذ ويزداد، لا أن ينقص ما عنده، بالعطاء. وإن حدث أنه أعطى في يوم ما، إنما لكي يأخذ من وراء ذلك مديحًا أو سمعة طيبة، وليس حبًا في الناس وإراحتهم. وهو لا يعرف خدمة الآخرين، لأنه لا يحس باحتياجاتهم بسبب تمركزه حول ذاته. وإن دخل ذات يوم في مجالات الخدمة العامة، فلا يكون ذلك إلا بحثًا وراء السلطة والشهرة والنفوذ والمظهر الخارجي، لكي ينال اسمًا في المجتمع!!
6- ومحبة الذات تقود إلى الإنفراد بالسلطة:
فمحب الذات إذا دخل في إدارة ما، يريد أن يجمّع كل السلطات في يديه. ويقول لا يتم شيء إلا بإذني وبمشورتي وفكري. فالقرار هو قراري، والتدبير هو تدبيري، وهكذا لا يشترك معه أحدًا في النفوذ. يذكّرنا بإمبراطور فرنسا الذي قال L’Etat est moi أي الدولة هي أنا.
وهكذا فإن الحكم الديكتاتوري في التاريخ أساسه الذات، لأنه حكم الفرد الواحد، أي الذات المنفردة بالسلطة…
7- والمحارب بالأنا من الصعب أن يتعاون مع أحد:
لأنه يريد أن عقله هو الذي يسود. فالمتعاون معه إما أن يكون خاضعًا لفكره أو على الأقل متماشيًا معه، وإلا يصطدمان أو ينفصلان!
* أيضًا من الأنا وعنادها تتولد الانقسامات والصراعات…
ومن الأنا تتسبب الخلافات العائلية، حيث يتسبب كل فرد برأيه. وقد يصل الأمر إلى المحاكم والقضايا، وما يسبق ذلك من شقاق وشجار وانفعال. وفي كل ذلك لا يفكر أي شخص في سعادة غيره ولا في إرضائه. بل هي الذات التي لا تفكر إلا في راحتها، ولو تبني راحتها على تعب الآخرين! ولا تفكر إلا في كرامته هي وحقوقها سواء كان ذلك داخل الأسرة أو خارجها.
بل من الذات أيضًا تتسبب الحروب، ولكن على مستوى الدول…
8- والمحارب بالذات، ما أسهل أن يصير عدوانيًا:
فيقف موقفًا عدوانيًا ضد كل من يقف في طريق ذاته موقفًا معارضًا أو منافسًا، أو من يظنه كذلك. ذلك لأنه لا يحب أن ينافسه أحد! لذلك فإن معارضة الغير له تسبب له غضبًا، ويتحول الأمر إلى خصومة. وتشتد الخصومة فتتحول إلى حقد. ذلك لأنه لا يستطيع أن يغفر الإساءة بسهولة! وإذا طال الوقت، وشعر أن ذاته لم تنل حقها… حينئذ قد يفكر في إرضاء ذاته بالانتقام. وهنا يصبح عدوانيًا…
ولا شك أن كل جرائم الأخذ بالثأر سببها الذات.
9- الإنسان الواثق بذاته، يفرض هذه الذات وطلباتها على الله نفسه!
فهو لا يقول للرب في صلاته “اكشف يا رب ما تريد في أن أفعل… ولتكن مشيئتك”. ولا يطلب إرشاد الله له، إنما يفرض على الله طلباته! وكأنه يقول “هذا الموضوع الذي أعرضه اليوم عليك يا رب: أنا قد درسته جيدًا. وبقى عليك أن تنفذه لي. وأن تفعل كذا وكذا لي!! وليس فقط يفرض مشيئته على الله دون أن يطلب معرفة مشيئة الله! بل بالأكثر يطلب أن يكون ذلك بسرعة وبغير إبطاء!!
وهو أيضًا يراقب أعمال الناس، ويحاول أن يفرض إرادته عليهم!
10- والذي يحاول أن تكبر ذاته في عينيه، يتخيل ذلك في أحلام اليقظة:
وهى محاولة لتكبير الذات ولو في عالم الخيال. أو هي صورة للذات التي لا يشبعها الواقع الذي تعيش فيه، فتلجأ إلى إشباع ذاتها بأحلام اليقظة. فتتخيل أنها صارت كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا. ونالت من الناس ألوانًا من الإعجاب والتوفير والتمجيد!! وهكذا تعيش في جو من المجد الباطل Vain glory. ثم تصحو منه لترى أنه ليست لها القدرة لتصل إلى ما تخيلته في أحلامها!!