مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام – مقال يوم الأحد 26-11-2006
الهدف والوسيلة
نحن جميعًا نتفق في الأهداف أو الأغراض، مادامت النية سليمة، ومادام الهدف نافعًا وخيرًّا. ولكننا قد نختلف في الوسائل الموصلة الأهداف…
فما هي أسباب الاختلاف في الوسائل إذن؟
سببها اختلاف الفكر والعقل. فكلٌ منا له فكره الخاص ونظرته الخاصة إلى الأمور. كذلك تختلف الأفكار في درجة الذكاء، وبالتالي في الاستنتاج وفي الحكم والتقدير. ويختلف الناس أيضًا في الطباع وفي نوع النفسية. كذلك يختلفون من جهة البيئة المحيطة بكل منهم ومدى تأثيرها عليه..
لذلك نجد أشخاصًا يتميز كل منهم بطيب العنصر وبمحبة الخير. ومع ذلك فوسائلهم مختلفة… كلٌ منهم له طريقته وأسلوبه، وله منهجه الخاص في الوصول إلى الغرض. ولهذا كثير ما يحدث خلاف في العمل الجماعي حسبما نرى العديد من الهيئات…
أحيانًا يوجد تنوع وأحيانًا أخرى يوجد اختلاف وخلاف…
ونحن لا نعترض على التنوع، فهو يؤدي إلى ثراء في الفكر وفي الخبرة. أما الاختلاف والخلاف فكثيرًا ما يتسبب في انقسام وصراعات. وربما يتحول من الموضوعية إلى خلاف شخصي يتطور إلى خصام وعداوة!
ويحدث الخلاف حينما يرى البعض أن طريقه هو الطريق السليم الوحيد، وينتقد غيره من الطرق ويحاول تحطيمها!
والحل هو إيجاد تنسيق وتكامل وتعاون بين الطرق المتعددة المتنوعة الواصلة إلى نفس الغرض الواحد…
وسنضرب الآن عدة أمثلة من الاختلاف حول الغرض الواحد..
ففي موضوع الإصلاح مثلًا:
الإصلاح أمر يريده الجميع ويتفقون عليه. ولكن تتعدد الآراء وتختلف في الوسائل التي يمكن بها أن يتم الإصلاح المنشود…
* فيرى البعض أن الإصلاح ينبغي أن يتم عن طريق لجنة من الحكماء، أو من الشيوخ ذوى الخبرة والمعرفة يضعون مفهومه وقواعده وأنظمته… بينما يرى البعض الآخر أن الإصلاح يضعه الشعب كله صاحب المصلحة الأولى فيه. وأنه لابد أن يتم برضي الشعب وموافقته على كل بند من بنوده…
* يرى البعض أن الإصلاح يتم عن طريق الحلول الإيجابية البناءة، وهى واضحة المعالم للجميع. بينما يصرّ البعض الآخر على أن الإصلاح السليم لا يمكن بناؤه إلا بواسطة دراسة متأنية متعمقة تخص كل الموضوعات التي يشملها الإصلاح. وليس المهم عامل الزمن، بل التركيز على الإتقان…
* يرى البعض أن لا أسلوب يوصل إلى الإصلاح إلا العنف، عن طريق النقد الشديد والمنشورات والتجريح والتشهير… ذلك لأن المخطئين الذين سيتخلص الإصلاح منهم، لا يمكن إزاحتهم إلا باستخدام الشدة معهم وكشفهم أمام الجماهير. بينما يرى آخرون أنه لا يجوز -في أسلوب الإصلاح- أن نفقد الوداعة واتضاع القلب، بل نحتفظ بروحياتنا…
وهكذا تتعدد الوسائل، بل تختلف أحيانًا، والغرض واحد وهو الإصلاح.
وللأسف، لا ننكر في موضوعنا هذا، أن البعض يستخدم أحيانًا:
مبدأ ميكيافيللي Machiavelli الذي ينادي بأن الغاية تبرر الواسطة the end justifies the means!
فيرى أنه مادامت الغاية سليمة، فلا مانع من استخدام أية الوسائل مهما كانت خاطئة! وإن عاتبت هذا الشخص على أخطائه، يحتج بأنه يسعى إلى غرض نبيل! كلا، فالغرض النبيل يلزم أن تكون وسائله نبيلة أيضًا. ولا يصح الجمع بين الخير والشر ليسيرا معًا في طريق واحد!!
* بالمثل أب يقسو جدًا على ابنه حتى يعقده نفسيًا. ويحتج بغرض مقدس هو تربية ابنه! هذا الغرض سليم، ولكن الوسيلة مخطئة… أو أم تتدخل في صميم الحياة الزوجية لأبنتها، وقد تتسبب في فصلها عن زوجها! وتبرر ما تفعله بحرصها على كرامة ابنتها.. إنها وسيلة غير حكيمة تؤدي إلى الضياع..
وكثيرًا ما ضيعّ الناس علاقاتهم بغيرهم، كنتيجة للوسيلة الخاطئة…
مثال ذلك شخص يسعى إلى مصالحة غيره. إنه هدف سليم بلا شك.. ويرى أن وسيلة ذلك هي العتاب. ولكنه في طريقة العتاب، يعيد الأوجاع والجروح القديمة، ويضغط عليها بأسلوب يتعب الطرف الآخر. ويخرج من العتاب وقد ساءت العلاقة عن ذي قبل! لأن طريقة العتاب كانت سيئة… بعكس ذلك إنسان آخر يستطيع بالعتاب أن يكسب الموقف. بل يجعل الطرف الآخر يتفهم الموضوع على أحسن وجه، ويعتذر له، ويخرجان صديقين وكأن شيئًا لم يكن…
العتاب هو العتاب. ولكن وسيلته عند واحدٍ مقبولة ومجدية. وعند آخر متعبة ومؤذية، وتأتي بعكس المطلوب..!
إنسان يعاتب بطريقة هادئة، والآخر يعاتب بطريقة ساخطة.
الأول يعاتب بحب وعشم، والثاني يعاتب بحقد وانتقام.
هذا يريد أن يصالح. وذاك يريد أن يثبت للطرف الآخر أنه مخطئ، وأنه يستحق ما ناله منه..!!
لذلك، نصيحتي لك أيها القارئ العزيز:
إن اشتركت مع أحد في عمل ما، أو من أجل خير ما، لا يكفي أن يكون مشتركًا معك في الهدف أو الغرض، وإنما ينبغي أن يكون مشتركًا معك أيضًا في الوسيلة وأسلوب العمل…
لئلا تكون طريقته في تنفيذ الغرض المشترك غير طريقتك. فتختلفان معًا، أو يسبب لك مشاكل باعتباركما شريكان في عمل واحد…
ما أكثر الوسائل للغرض الواحد. وكلُ منها ترى أنها الأفضل والأصلح.
ولنضرب المثل فتربية الأبناء: إنه هدف سليم يتفق عليه الجميع. ولكنهم يختلفون في أسلوب التربية:
* فالبعض يمنحون أولادهم الحرية الكاملة، كما في كثير من بلاد الغرب. وحينما يكبر الأولاد، لا يمارس الآباء أية سلطة عليهم. ويبررون ذلك بأنهم يريدون للابن أن تكون له شخصيته المستقلة التي لا تقع تحت ضغط..
* هناك أسلوب عكس هذا يلجأ إليه آباء آخرون، وهو التشديد الكامل لحماية الأبناء من الانحراف. ولكنه قد يوجد كبتًا له ردود فعل سيئة…
* وهنا طريق وَسَط: لا هو بالحرية التي فيها تسيب، ولا هو التشديد والتقييد.. هو أسلوب الأب الذي يصادق ابنه. ويشرح ويعلّم ويُقْنِع ويحاور… ولا شك أن الإقناع -ولو أنه يأخذ وقتًا وجهدًا- إلا أنه يُوجِد حافزًا في الداخل، يكون أفضل من الأوامر والنواهي التي هي مجرد ضغوط من الخارج…